العنف ضد المرأة

العنف ضد المرأة :

لا بد بداية من إيضاح مفهوم العنف ضد المرأة بأنه، كما أفهمه، العنف الجسدي والمعنوي والنفسي الذي يمارس على المرأة، مناقضاً لمفاهيم الحضارة والقيم الإنسانية، ومتعارضاً مع إعلان حقوق الإنسان ومع اتفاقيات التمييز ضد المرأة.
من المعروف أنه لفهم أي ظاهرة اجتماعية، لابد من العودة إلى أصولها التاريخية وكيفية تطورها، فالبحث في ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية يستدعي إلقاء نظرة متأنية و عميقة، على مكانة المرأة ووضعها في التاريخ والتراث العربيين، وهو ما يستدعي دراسة وافية للمجتمع العربي منذ ظهور الإسلام، والتغييرات والتشريعات التي سنها الإسلام فيما يتعلق بالمرأة، ومن ثم التغييرات اللاحقة التي أسبغت على تلك التشريعات، بحكم التغيرات السياسية التي طرأت على المجتمعات العربية بعد الإسلام إن دراسة المجتمع العربي قبل الإسلام، تظهر أن صفته الأساسية كانت أنه مجتمع قبلي عشائري، لا يختلف في صفاته العامة عن أي مجتمع إنساني ما قبل الدولة، ساد فيه شكل العائلة البطريركية الأبوية إن الميزة الرئيسية التي

تتميز بها هذه العائلة ليست تعدد الزوجات فقط وإنما بحسب مورغان :" تنظيم عدد معين من الأشخاص، الأحرار وغير الأحرار، في عائلة تخضع للسلطة الأبوية لرئيس العائلة، ففي العائلة السامية، يعيش رئيس العائلة هذا في ظل تعدد الزوجات، وللعبيد زوجات وأولاد، وغاية التنظيم كله رعاية القطعان، في حدود رقعة معينة من الأرض إذا فالسلطة الأبوية وامتلاك العبيد هما الميزتان الأساسيتان لهذا الشكل من العائلة، فللأب سلطة أبوية مطلقة، على جميع الأشخاص الخاضعين له، تشمل حق الحياة هذا الشكل من العائلة عند الشعوب الشرقية درجة انتقالية من العائلة التي انبثقت من الزواج الجماعي وقامت على الحق الأمي، إلى العائلة الفردية في العالم المعاصر.
في هذه المرحلة من التطور الاجتماعي يعتبر هذا الشكل من العائلة امتيازا للأغنياء والأعيان فقط، القادرين على شراء عدد من الزوجات والعبيد، ويكون لربة البيت وهي غالباً زوجة رب البيت مكانة خاصة، أما سواد الشعب فيعيش حالة أحادية الزواج وقد سمي هذا الشكل من الزواج من قبل علماء الاجتماع بالزواج الثنائي، لأن علاقات الزواج لا تكون وثيقة كما هي في حالة الزواج الأحادي، الشكل المتطور عن هذا النمط الاجتماعي، إذ يوجد في علاقات الزواج الثنائي تعدد الزوجات وتكثر حالات الطلاق، و الخيانات الزوجية وعلى الرغم من أن هذا الشكل الاجتماعي من العلاقات كان سائدا آنذاك، إلا أن أشكالا أخرى كانت موجودة في القبائل العربية بحسب درجة تطورها، وذلك يطابق تماما الدراسات الاجتماعية على مختلف المناطق ذات التجمعات البشرية القبلية السابقة لمرحلة الدولة في هذه المرحلة من التطور الاقتصادي والاجتماعي، تتطور وسائل الإنتاج، وتغدو الحروب حاجة مهمة للمجتمع لأنها الوسيلة الأساسية لتأمين حاجة المجتمع من الأيدي العاملة، بتحويل أسرى الحرب من الرجال إلى عبيد يعملون لدى ساداتهم، وتحويل السبايا من النساء إلى آلة لإنتاج الأولاد الذين يغدون أيدي عاملة لمصلحة رب العائلة، مما يؤدي إلى توسيع ثروة العشيرة، أو بالأحرى ثروة سادتها، لذا كان القتال ومهاجمة القبائل الأخرى أو الدول المجاورة أهم صنعة يقوم بها الإنسان وأكثرها احتراماً، وبمقدار قدرة الفرد على القتال وجلب المزيد من الثروة والفائدة إلى مجتمعه ( عشيرته ) تقدر قيمته في المجتمع، مما جعل المرأة والطفل غير القادرين على القتال في أسفل السلم الاجتماعي، ولا أدل على ذلك من أن العرب آنذاك لم يكونوا يورثون المرأة والطفل، بل كانوا يقولون لا نورث من " لا يركب فرسا ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدوا "، وتحولت المرأة إما إلى عبدة تسبى أو سلعة تباع وتشترى، بالمهر الذي كان يقبضه وليها ثمنا لها، ولعل أكثر أشكال ذل المرأة وجد في بعض الحالات التي كان فيها الابن يرث زوجة أبيه إذ يلقي عليها ثوبه ليثبت ملكيته لها وبعد ذلك له الخيار في أن يتزوجها أو يعضلها إلا إذا افتدت نفسها من، أي دفعت له ثمن نفسها، وكان يسمى ذلك بالضيزن أو المقت، كذلك كانت الأسيرة ذات المال يمكنها أن تفتدي نفسها بما يسمى المكاتبة أي تدفع لآسرها ثمن نفسها ليطلقها.
وعلى الرغم من أن تطور المجتمع في الجزيرة العربية آنذاك كان قد بلغ مرحلة السلطة البطريركية الأبوية ونظام العبودية، مرحلة ما قبل الدولة، فإن أشكالا اجتماعية مختلفة كانت لا تزال تسود المجتمعات القبلية العربية، وهذه آثار اجتماعية باقية من العصر الأمومي، ومراحل التطور التالية له، فمن المعروف أن التطور الاجتماعي يحتاج إلى زمن أطول للحاق بالتطور الاقتصادي الذي يحكم تبدل العلاقات الاجتماعية، ومن تلك الآثار، علاقات اجتماعية مختلفة كانت تتبدى بأشكال من الزواج مختلفة عن الزواج السائد والمسمى زواج البعولة، فساد نكاح المتعة وهو تأكيد على لكون المرأة بضاعة لها ثمن، إذ يدفع الرجل للمرأة ثمن استمتاعه بها مدة من الزمن وإذا رزقت بولد من هذا الزواج تنسبه إليها، كذلك نكاح الاستبضاع وهو أن يرسل الزوج زوجته إلى شخص آخر كي يجامعها فتحمل منه والغرض من ذلك إنجاب الأولاد، ونكاح البدل بأن يتبادل رجلان زوجتيهما، ومن الملاحظ أن هذا الزواج يتم بلا مهر، لأنه نوع من مقايضة، ومثله نكاح الشغار وهو أن يزوج رجلان، كل منهما للآخر ابنته بلا مهر، كذلك كان هناك نكاح الذواق، بأن تتزوج المرأة رجلا لتجربه ثم تطلقه لتتزوج غيره حتى قيل إن إحداهن وتدعى أم خارجة جامعت أكثر من أربعين رجلاً، ولا شك أن مثل هذا الزواج كان من مخلفات عصر الأمومة وأفترض أن من تقوم به كانت على منزلة اجتماعية أو اقتصادية مهمة، لأنها رغم زيجاتها المتكررة كانت تفرض احتراما اجتماعيا، ويشبه ذلك نكاح الخدن، بأن تتخذ إحداهن عشيقاً، ثم تتزوجه بعد أن تنجب منه ولداً، أما من أكثر أشكال العلاقات الاجتماعية الدالة على بقايا العصر الأمومي فكان نكاح الرهط، إذ يجامع رهط من الرجال امرأة واحدة بموافقتها، وحين تنجب ولدا تجمعهم إليها وتختار من بينهم والدا لابنها ولا يستطيع الرجل إنكار أبوته له حتى ولو كان يشبه غيره وقد نتج عن هذه الزيجات بعض الشخصيات التي كان لها دور مهم في التاريخ العربي كعمرو ابن العاص وزياد ابن أبيه وذلك دلالة على قبول هذا الشكل من الزواج اجتماعياً، وتلك النسوة كن ذوات منزلة أعلى من البغايا، ربما لمكانة اجتماعية أو اقتصادية، في حين كان زواج البغايا شبيها بذلك الزواج إلا أن البغايا كن يقبضن ثمن المسافحة وينصبن رايات أمام أبوابهن، فإذا ولدت إحداهن ألحق ابنها بمن يقرر علماء القافة، ولا يحق للأب نكران الولد، أما أولاد الإماء اللاتي كن يكرهن على البغاء فيكونون عبيداً لمالك الأمة البغي إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن هذه الأشكال من الزواج كانت محدودة ومرفوضة من بعض القبائل، ومكروهة ممقوتة من بعضها الآخر.
ولكن في كل أشكال هذه العلاقات الاجتماعية، كانت المرأة في العصر الجاهلي بضاعة تباع وتشترى، ويرتفع ثمنها بارتفاع مواصفاتها، إلا في حالات نادرة كانت المرأة فيها ذات مكانة اجتماعية أو اقتصادية تعطيها بعض الحقوق، بل في بعض الأحيان تخولها احتلال مكانة اجتماعية مرموقة، ولكن ذلك كان مشروطا بعشيرتها ووضعها الاقتصادي، وصفاتها الشخصية، فكان منهن من لكلمتها مكانة في العشيرة، أو من لها ثروتها وتجارتها الخاصة، ومن كان لها مكانة تتيح لها تطليق زوجها إذا لم تعد ترغب فيه بإدارة باب خيمتها نحو جهة معاكسة، أو كسلمى بنت عمرو التي كانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها إلا على شرطها أن أمرها بيدها، إذا كرهت رجلا فارقته، والمثل الأكبر مثل السيدة خديجة التي كانت تاجرة محترمة في قريش والتي خطبت لنفسها الرسول الكريم، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن يبقى الشيء الأكيد أن تلك كانت حالات نادرة، لا تعبر عن حال الغالبية العظمى من النساء، وذلك ما يذكرنا بوضع مجتمعات شرق آسيا اليوم والمسلمة منها تحديداً، حيث نجد نساء وصلن إلى سدة الحكم بحكم انتماءاتهن العائلية بالدرجة الأولى ومن ثم وضعهن الاقتصادي ومواصفاتهن الشخصية، لكنهن لا يعبرن عن وضع الغالبية العظمى من نساء بلادهن اللاتي يقبعن تحت وطأة الجهل والفقر والتخلف وانعدام القيمة الاجتماعية، بل الإنسانية وهنالك ملاحظة أساسية أخرى، هي أن المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام، كالرجل كانت تتمتع بحرية جنسية، تبدت بالزيجات المتكررة لذوات الحسب والنسب، وبلغت حدود الفوضى الاجتماعية لنساء العامة حد انتشار الخيانة الزوجية، أو أشكال الزيجات التي سبق ذكرها أو البغاء، وقد بقيت آثار هذه الفوضى في صدر الإسلام كما يتضح من السيرة النبوية، فقد نهى الرسول الكريم الرجال أن يطرقوا بيوتهم على نسائهم ليلاً، كما روى ابن عباس، فطرق رجلان بعد نهي النبي فوجد كل واحد منهما مع امرأته رجلاً إذا فقد كانت المرأة بالمحصلة في مجتمع ما قبل الإسلام، إذا استثنينا النساء الأرستقراطيات بضاعة يملكها الرجل منذ ولادتها، حتى إنه يحق له وأد بناته إذا رغب في ذلك، يحق له امتلاك المرأة الحرة بأن يدفع مهرها، وامتلاك العبدة بشرائها، وكلتا الحرة والعبدة في النتيجة ملك له يحق له ممارسة كل أشكال العنف والاضطهاد ضدهما مع اختلافات ضئيلة بينهما، في أنه ليس للعبدة من تلجأ إليه من جور سيدها، في حين كانت الحرة تستنجد بعشيرتها إذا بالغ الزوج في ظلمه، فكانت العشيرة تنجدها في حال كونها أقوى من عشيرة الزوج فقط وهنا لابد من التنويه أن كل ما ذكرناه عن مجتمع ما قبل الإسلام كان يختلف بين قبيلة وأخرى وعشيرة وأخرى، ففي حين كانت بعض القبائل تتسامح مع الزانيات، كن يرجمن، تشبها باليهود عند قبائل أخرى، وفي حين كان الضيزن أو المقت سائداً في بعض المجتمعات كيثرب، كان مكروها في أخرى، كما أن بعض القبائل كانت تستهجن وأد البنات، في حين كانت تمارسه قبائل أخرى، وكان التردد على البغايا متسامحا فيه في بعض المجتمعات يتباهى به الرجال كحادثة أبي سفيان الذي سمع زياد بن أبيه يخطب فأعجب به وقال لجليسه ( إنني الذي وضعه في رحم أمه )، في حين كان التردد على البغايا معيبا في مجتمعات أخرى.

إرسال تعليق

0 تعليقات