ثقافة الشباب
ثقافة الشباب هي ثقافة الأمة في المستقبل، ودرجة النضوج والوعي التي يتمتع بها الشاب في التعامل مع محيطه، والثقافة ترتبط بأسلوب التفكير ونمط الحياة، وتساهم في تعزيز الانتماء إلى الوطن عندما تنمو في اطرها الصحيحة، فحين تكون المعرفة قيمة من قيم المجتمع، نستطيع أن نقول إنه يمضي في طريق النهوض لأنها في جوهرها إرادة تحرر.
-يبدو الحديث عن ثقافة خاصة بالشباب أمراً مستغرباً لأول وهلة، وربما موضع شك لدى المشتغلين في الفكر والتنظير الثقافي، لكنه ليس كذلك بالنسبة لعلم الاجتماع الثقافي، لاسيما في مرحلة العولمة وثورة الإعلام والمعلوماتية، والأمركة وانفتاح الفضاءات الثقافية المحلية أو القومية على عالم جديد من التفاعل أو التصادم أو الغزو الثقافي، لكنه عالم من التفاعل الثقافي بلا حدود.. وبدت المعرفة الإنسانية، لا تقتصر على خبرة الكبار والاسرة والمدرسة أو الجامعة أو المعتقد أو المؤسسات الدينية، وبدأت تتكون منذ الطفولة ثقافات متباعدة زمنياً، مثل ثقافة الطفل وثقافة الشباب، وثقافة المرأة.. الخ.
-وعند تجاوز حدود عتبة التساؤل حول مصداقية مثل هذا الطرح، يصبح بدهياً قبول فكرة (ثقافة الشباب)، والحديث عن ثقافة إقليمية مثل الثقافة العربية الإسلامية أو ثقافة الشباب في (الشرق الأوسط)، وهي لم تعد حقيقة ثقافة مستقرة، تحمل هويتها القومية أو الحضارية، بل باتت تتعرض لتيارات ثقافية عديدة تخترقها أفقياً وعمودياً، وأخذت تتشكل جماعات ثقافية شبابية يشغلها اهتمام محدد، كالرياضة بأنواعها المختلفة أو الايديولوجيا والدين، أو الاهتمام بجانب فكري وسياسي، إضافة للانترنت والمعلوماتية، وثقافة الموسيقا الأمريكية والدراما، واللباس والطعام وثقافة الاستهلاك .. الخ.
-وقد أجرينا استبياناً منظماً لمعرفة مشكلات القراءة عند الشباب، لعينة طبقية عنقودية تمثل نسبة 5،7 بالألف من طلاب جامعة دمشق، بمختلف كلياتها وأقسامها العلمية والنظرية، وتبين أن 20% لا يقرؤون مطلقاً باستثناء مقرراتهم الدراسية، وهناك 20% أخرى تقرأ مراجع في ميدان اختصاصها فقط.. أما درجة القراءة عند القراء، فهناك 26% يقرؤون أقل من ساعة يومياً، ونحو 35% بين ساعة وساعتين، في حين نسبة لا تتجاوز2% يقرؤون ما يزيد على 4ساعات يومياً، غالبيتهم يدرسون في كليات علمية، أما حول وسيلة القراءة المفضلة، فهناك 64% من القراء الذين يقرؤون الصحف، وإلى جانب ذلك فإن من يقرؤون الكتب لا تتجاوز نسبتهم 67% من العينة.
-وحول مكان القراءة المفضل، عبر 64% أن المنزل له الأفضلية الأولى، في حين من يرتادون المكتبات العامة والمراكز الثقافية هم 31% فقط.
-وحول مدى توفر مكتبة منزلية، أجاب 64% منهم أن لدى الأسرة مكتبة منزلية، وهذا يدفعنا للسؤال عن دور الأسرة في التشجيع على القراءة؟ فأجاب 33% منهم أن الأسرة لا تشجع على القراءة، مطلقاً، وجدير بالذكر أن آباء حوالي 35% من الطلاب ينتمون لفئات الموظفين الوسطى، و11% ضباط، و30% يعمل آباؤهم في التجارة والصناعة وحوالي 9% في الزراعة وباقي المهن15% ...ولمعرفة دور معارض الكتب في الترويج للقراءة، تبين أن 63% من العينة يزورون معارض الكتاب ولا يتمكن سوى 54% منهم من شراء كتب، ونسبة تقل عن 17% لديهم مقدرة على شراء ما يزيد على 3 كتب في السنة، و 54% يشترون بمعدل كتاب إلى كتابين، أما دور القراءة في ثقافة الشباب، فقد تبين أن قراءة الموضوعات الأدبية والفنية تستهوي 33% من العينة، والقراءة لموضوعات سياسية أقل من 13%، وموضوعات تسلية متنوعة نحو 20% وتوجهنا بالسؤال: ماذا حققت لكم القراءة؟ فأجاب 68% من القراء أنها ساهمت في رفع مستواهم المعرفي،و50% اعتبروا أن الارتباط بين القراءة والثقافة ارتباط مباشر، وعبر 39% منهم أنها حققت لهم المتعة والفائدة ونحو 20% اعتقدوا أنها حققت لهم مكانة اجتماعية.
-كما قال 10% أنها جعلتهم أكثر احتراماً وقبولاً لدى الجنس الآخر، وحوالي 16% يشعرون أنهم أصبحوا أكثر تواضعاً، و 27% اعتبروا أن الارتباط إيجابي بين القراءة وتحقيق فرص نجاح أكبر في الحياة... جدير بالذكر أن كل مبحوث كان عليه اختيار أربعة خيارات لمعرفة أثر القراءة في ثقافته، أما الذين لا يقرؤون، فاعتبر 20% منهم أنه لا توجد أية أسباب وليس لديهم رغبة و20% يشعرون بالخجل أن يراهم الآخرون يقرؤون، و17% اعتبروا لا جدوى من القراءة، وهناك 21% يعانون من مشكلات صحية ونفسية لاتسمح لهم بالتركيز أثناء القراءة والباقون لهم أسباب أخرى.
قد لاتكون هذه النتائج دقيقة تماماً وتعبر عن علاقة ارتباط دقيقة بين الفرضيات التي وضعناها لمعرفة واقع القراءة ومشكلاتها لدى الشباب في جامعة دمشق.. لكن دعونا نعترف، بأن القراءة ليست بخير وقضية الثقافة والشباب لا تأخذ الاهتمام اللازم من الاسرة والمجتمع، وأنماط القيم تغيرت سلباً مع انتشار الإعلام الفضائي، والبرامج الدعائية التي تفسد الاذواق، وتشجع على التكيف السلبي مع نمط الحياة الاستهلاكي، في ظل غياب سياسة اعلامية مبنية على دراسات ترصد أثر الوسائط المتعددة على الأمن الثقافي وضياع الهوية... والثقافة هي آخر معقل في حياة أية أمة مهددة مثل الأمة العربية بالتفتت والذوبان.
ولئن بدا هذا الكلام نافلاً ومسلماً به فهو يشكل مقدمة ضرورية لموضوعنا، فإذا كانت الثقافة تشير إلى مقدار الوعي الاجتماعي وتناسبه مع متطلبات المرحلة، فإننا لا نستطيع إلا أن نتعجب من ثقافة هذا الجيل، جيل الهامبرغر والبيتزا وصرعات الموضة التي تأتي إلينا من وراء البحار، مرسخة قيماً استهلاكية غريبة عن قيمنا العربية الاصيلة، وقارعة أجراس إنذار فيما يتعلق بمصيرنا وهويتنا.
ومع إنني لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولكن هل نتعرض نحن العرب حقاً لغزو ثقافي؟! وبأية اشكال يتبدى هذا الغزو! ثم هل يكفي التعليم الجامعي الأكاديمي لخلق جيل متنور وفاعل؟ وما هي مسؤولية الجامعة في تخريج طالب جامعي مثقف؟ وما هو دور الأسرة؟ وكيف تؤثر الحالة المادية على الحالة الثقافية؟ وكيف يؤثر التليفزيون والكمبيوتر وارتفاع أسعار الكتب في ثقافة الجيل الجديد؟
-اعتبر أن التعليم الجامعي ليس كافياً، لأن الحياة العملية تفرض على الشاب أكثر من مجرد اتقان مهنة معينة، فهناك متطلبات أخرى تجعل من الثقافة ضرورة، وبغض النظر عن أن المعرفة تعتبر بحد ذاتها غاية من الغايات، نحن نعيش في القرن الواحد والعشرين في عالم يتصف بالتبدل والتغير المستمر والصراع أيضاً، كما أننا كعرب نتعرض لهجمات شرسة تهدف للسيطرة على ثرواتنا ومواردنا فإن لم نكن واعين بالقدر المطلوب فسيأتي اليوم الذي نسرق فيه ونحن نصفق للسارقين.
-هناك مكتبة في الجامعة لكنها تقتصر على تقديم الكتب القديمة لممارسة هواية المطالعة لا أكثر...! فالأحداث التي تجري حالياً في العالم والنقاشات والأبحاث التي تدور حول مواضيع مهمة كالعولمة تكاد تكون مغيبة عنا تماماً، وحتى الكتب الحديثة والمختصة بمواضيع دراستنا لن تجد لها أثراً في المكتبة..؟ ناهيك عن أن هناك قصوراً واضحاً في مناهج الجامعة نفسها فأغلب الكتب اعتمد مؤلفوها على مراجع قديمة وأبحاث أكل عليها الدهر وشرب..! ويقتصر دور الجامعة على الأسابيع الثقافية النادرة التي تقام في كلية الآداب وبعض المحاضرات هنا وهناك، وبعض المبادرات الفردية المحصورة ضمن كلية هذا الطالب أو ذاك ممن يريدون عرض محاولاتهم الابداعية، لكن هذا ليس كافياً لخلق مناخ ثقافي عند طلاب الجامعة. وحينما قلنا له إن على الطالب أن يعتمد على نفسه في البحث والتحصيل أجاب زياد نعم، لكن هذا الطالب يحتاج إلى من يوجهه، وهذا دور الأستاذ الجامعي، الذي يجب أن يقوم بطرح الموضوعات ومشكلات الساعة واقتراح حلقات بحث تتعلق بنظريات علمية حديثة بحيث يتكون عند الطالب الجامعي أسلوب وطريقة في البحث والقراءة يمارسها في مجال ثقافي أوسع من مجال دراسته الجامعية وعن المصادر التي يعتمدها في اغناء ثقافته أطالع الصحف يومياً، ولديَّ اشتراك بصحيفة تصدر في الخارج، كما أملك مكتبة متواضعة في البيت وأرتاد المكتبات العامة ومعارض الكتاب، وأهتم بموضوع التراث تحديداً، لكنني نادراً ما أشاهد التليفزيون لأنه مضيعة للوقت باستثناء نشرات الأخبار والحوارات الثقافية واللقاءات السياسية وقد استطرد زياد في حديثه ليشير إلى أن هناك اهتماماً متزايداً بالثقافة الاستهلاكية وأضاف جرى منذ فترة افتتاح محطة فضائية روج لها إعلامياً على أنها محطة الشباب العربي التي ستتناول قضايا الشباب العربي ومشكلاتهم، وعند متابعتي لها تبين لي أن مشاكل الشباب العربي من وجهة نظر هذه المحطة هي قصة الشعر ونوعية الملابس ونغمة التليفون المحمول ومواقع الفنانين على الإنترنت، فكم تستخف هذه المحطة بعقول الشباب وتشوه وعيهم وثقافتهم، والمشكلة أن هناك قسماً لا بأس به من الشباب منساق وراء هذا النوع من الثقافة الاستهلاكية - ثقافة العولمة حسب الوصفة الأميركية - والتي لم نتهيأ لها على مستوى الأفراد وصولاً إلى الحكومات .
-فالثقافة التي يجب أن تقدمها الكلية هي الثقافة التي تتعلق بالفرع الذي تختص به هذه الكلية، وأي نشاط ثقافي عام هو مسؤولية وزارة الثقافة والمراكز الثقافية. ويضيف أعتقد أن الثقافة مسؤولية شخصية، فالجميع على معرفة تامة بوضع الجامعة التي لا تستطيع أن تهيىء طالباً مثقفاً..! وبالتالي فالمسؤولية تقع على عاتق الطالب وجهده الشخصي، أما دور الأستاذ الجامعي فيبقى دوراً توجيهياً، هذا فيما لو كان هذا الاستاذ مطلعاً أصلاً على أحدث الكتب الصادرة والمستجدات في مجال اختصاصه..؟ لكن خالد يشير إلى ناحية مهمة لها علاقة بالمستوى الثقافي، ألا وهي الحالة المادية للطالب يقول إن أسعار الكتب الخيالية - مع متوسط دخل الفرد - تقف حائلاً دون تمكن الطالب الجامعي من اقتنائها وهذا ما نلاحظه خلال معارض الكتب التي تقيمها الجامعة فأنت ترى الطلاب يتجولون لساعات بين الكتب المعروضة هنا وهناك ولكن القلة القليلة منهم تجرؤ على شراء كتاب، أما الانترنت وهي الوسيلة الثقافية الأحدث والتي تمخضت عن ثورة حقيقية في مجال الاتصالات، فإنها ماتزال حلماً لأكثر الطلاب وتحتاج إلى امكانيات مادية شبه خيالية بالنسبة لهم، رغم أننا بأمس الحاجة إلى مشروع يوفر لطالب الجامعة الانترنت بالمجان والذي سيكون الأساس في تخريج طالب جامعي مؤهل أكاديمياً ومثقف بآن واحد وقد اختلف خالد مع زياد حول ثقافة الاستهلاك الغربية فاعتبر ان هذه المظاهر التي يقلدها الشباب عندنا ليست سوى قشور الثقافة الغربية التي لا تناسبنا، فالأزياء والأغاني والتقليعات لا تجسد ثقافة الغرب اطلاقا، ولا يجوز أن نطلق على كل ظاهرة شاذة تنم عن جهل في مجتمعنا هكذا جزافاً ثقافة غربية، لأن هذه ليست ثقافة الغرب فالغرب لديه التكنولوجيا والعلم الحديث والأخلاق ايضاً، وأضاف خالد أتمنى فعلاً لو نستطيع أن نستفيد من ثقافة الغرب الحقيقية، إن ثقافة الاستهلاك التي تنقلها إلينا وسائل الإعلام العربية على أنها ثقافة الشباب الغربي ليست سوى تزييف، فشباب الغرب يهتمون بالموضة والأزياء والأغاني ولكنهم يخصصون وقتاً طويلاً للعمل والدراسة ومحاولات الإبداع والاختراع، بالاضافة للمشاركة في الندوات والحوارات الفكرية، والصورة التي تصلنا عنهم هي للأسف مشوهة .
-عدم توفر الانترنت لطلاب الجامعة، تقول من المؤسف أنه ماتزال الانترنت حتى الآن حكراً على الأساتذة وطلاب الدبلوم، مع أن هناك وعوداً بتعميم الانترنت على طلاب الجامعة، وهذا برأيي من الأولويات قبل تحديث المناهج وأسلوب التدريس وغيرها من المشاكل، فالانترنت توفر للطالب الاتصال بمراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات التعليمية بحيث تنعكس فوائد هذا الاتصال بشكل أكيد على مستوى تحصيله الأكاديمي والثقافي على حد سواء كما اشتكت وفاء من الروتين الممل - حسب تعبيرها - في محاولة الطالب الحصول على كتاب من مكتبة الجامعة، أضف إلى ذلك عدم توفر الكتب الحديثة أصلاً. أما بالنسبة للنشاطات الثقافية في الجامعة فهي لا تجد ما يشدها أويغريها بالمتابعة فأغلب النشاطات الثقافية التي أتابعها هي خارج إطار الجامعة كالندوات التي تعقد في المراكز الثقافية، وأهمها ندوة الثلاثاء الاقتصادي وهي ملتقى أسبوعي لرجال الأعمال والاقتصاد والفكر .
-أن الاحباط الذي يصيب الشاب نتيجة وجوده في الكلية التي لا تناسب ميوله ورغباته يؤثر في دوافعه للتحصيل العلمي أولاً والثقافي ثانياً، فأسلوب المفاضلة الجامعية الذي يرهن دخول الطالب إلى الكليات المختلفة اعتماداً على محصلة علامته النهائية في الثانوية العامة دون مراعاة لرغباته الحقيقية هو أسلوب فاشل، كما أن تقييد الطالب الجامعي بمنهاج معين يقتل روح البحث لديه، بالاضافة إلى أن هذا المنهاج غالباً ما يكون ضخماً جداً فلا يتيسر للطالب ايجاد الوقت الكافي للاطلاع والبحث في مصادر أخرى.
-فمع انتشار المحطات الفضائية أصبح لدينا حرية أكبر في اختيار البرنامج الذي يلبي رغباتنا فالتليفزيون ما هو إلا أداة قد تسيء وقد تفيد بحسب وعينا في التعامل معها، لهذا اراني اعتمد على التليفزيون كثيراً في متابعتي للأحداث والبرامج التثقيفية المختلفة، كما أميل إلى قراءة الكتب الأدبية والشعر لكنني لا أقرأ الكتب المتعلقة باختصاصي الجامعي لأنني لم أدرس في هذا الفرع الأكاديمي عن رغبة وإنما أرغمت على ذلك بحسب طريقة المفاضلة.
0 تعليقات