الاحتلال البريطاني للسودان
وعندما توفى "المهدي" في أواخر سنة (1303هـ = 1886م) تعرض السودان لأزمات ومجاعات، ورأت بريطانيا أن مصالحها تقضي بضرورة عودة الجيش المصري للسودان، فشكلت حملة من 10 آلاف جندي مصري تحت قيادة الإنجليزي "كتشنر"، وتحركت الحملة بأوامر من المعتمد السامي البريطاني في القاهرة اللورد "كرومر"، وانتصر الجيش المصري على المهديين في عدة معارك منها "فركه" و"كرري" ودخل "كتشنر" "الخرطوم" ورفع العلمين المصري والبريطاني.
نجح السودانيون في تأسيس دولة لهم بقيادة الحركة المهدية عام 1881 واثار ذلك خوف البريطانيين في مصر ، واخذوا يسعون لمد سيطرتهم على السودان وارسل اللورد ( كرومر) حاكم مصر البريطاني حملة اليها عام 1896 بقيادة " كتشنر" وقد اصطدمت بقوة فرنسية عند منطقة (فاشودة )، فاحدث مشكلة الا انها انتهت باتفاق الدولتين المستعمرتين في 21 اذار 1899 على اساس اقتسام مناطق النفوذ في منطقة البحر الاحمر ، واصبح السودان بموجب هذه الاتفاقية من ضمن مناطق النفوذ الانجليزي ، واستطاع كتشنر التقدم بقواته والقضاء على الحركة المهدية بعد معارك دامية اشهرها معركة ( ام درمان ) في 24 تشرين ثاني 1899 م.
وفي (8 رمضان 1316هـ=19 يناير 1899م) تم توقيع "اتفاقية الحكم الثنائي" بين "كرومر" ووزير الخارجية المصري "بطرس غالي"، وقضت هذه الاتفاقية بالسيادة المصرية البريطانية المشتركة على السودان.. يقول اللورد "كرومر" عن هذه الاتفاقية: "إن اللورد سالسبوري وزير الخارجية البريطاني بعث بمشروع هذه الاتفاقية، وتسلم بطرس غالي نسخة منها للتوقيع عليها"؛ ويظهر من ذلك أن السيادة المصرية على السودان كانت اسمية فقط، وظلت هذه الاتفاقية تحكم العلاقات البريطانية المصرية بخصوص السودان فترة طويلة.
الحركات السودانية الوطنية
محمد أحمد المهدي
كان للحركة المهدية دور بارز في إثارة العاطفة الدينية والوطنية في نفوس السودانيين، ومن ثم لم تخمد الحركات التي ترفض الاستعمار الإنجليزي؛ فقامت ثورات فردية وجهوية، وثورات وحركات وطنية، منها:
- ثورة الخليفة "شريف" ومعه أبناء المهدي، لكنهم استسلموا لبريطانيا في (رجب 1316هـ= نوفمبر 1898م)، ثم ما لبثوا أن قاموا بثورة أخرى، فأعدمت بريطانيا قيادات هذه الثورة بما فيهم أبناء المهدي؛ ولم ينج منها إلا "عبد الرحمن بن المهدي" الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره.
- حركة "علي عبد الكريم" سنة (1318هـ= 1900م) في "أم درمان"، وحركة أخرى في جبالي "تقلي" سنة (1321هـ=1903م)، وثورة "تالودي" سنة (1324هـ=1906م) في جبال النوبا، وحركة "علي دينار" الذي دعا إلى إقامة حكومة دينية وتلقب بالسلطان في دارفور، إلا أنه قُتل في (1335هـ=1916م).
وغلب على هذه الثورات والحركات السودانية في تلك الفترة البساطة، وضعف اتصال السودانيين بعضهم ببعض؛ ما أفقد هذه الحركات قوتها وقدرتها على التأثير، لكن الحركة الوطنية الشعبية كانت تنمو، وتأثرت بما يدور في مصر من تطورات وأحداث بعد الحرب العالمية الأولى، وقيام ثورة 1919، فبدأت تظهر لأول مرة في السودان الأعمال السرية، فوزعت منشورات تحض السودانيين على الثورة والمطالبة بالاستقلال، وظهرت منشورات موقعة باسم جمعيات سرية مثل "اليد السوداء" و"جمعية الدفاع عن السودان".
وبدأت تظهر طبقة متعلمة ومثقفة سودانية، وتأثر عدد من السودانيين بالروح الوطنية التي بثها الضباط والموظفون المصريون العاملون في السودان المتأثرون بثورة 1919، بينما عملت بريطانيا على تعميق مفهوم "السودان للسودانيين"، وتشكلت جمعية سرية باسم "الاتحاد السوداني" سنة (1340هـ=1921م) وكان أعضاؤها من طلاب "كلية جوردون" (جامعة الخرطوم حاليا) التي يشرف عليها الاستعمار، وتشكلت "جمعية اللواء الأبيض" التي أسسها "علي عبد اللطيف" والتي لعبت دورًا كبيرًا في ثورة 1924 بالسودان، كما تشكلت "جمعية قبيلة الجعليين" في "أم درمان"، و"جمعية العمال"، وجمعية "وحدة السودان" التي اتخذت شعار "القرآن والخبز".
وكانت الحركة الوطنية السودانية تنادي بالوحدة مع مصر، وأمام ذلك لجأت بريطانيا إلى حث أنصارها من الزعماء القبليين على التصدي لهذه الحركة من خلال الكتابة في صحيفة "حضارة السودان" التي ظهرت في (ذي الحجة 1339هـ=أغسطس 1920م) ودعت منذ صدورها إلى أن يبتعد السودان عن مصر.
وفي هذه الأثناء قام السودانيون بجمع توقيعات من الشعب على غرار ما تم في مصر مما نقل شعور الاستقلال إلى قطاعات كبيرة من الشعب، وحاولت بريطانيا إبعاد الطبقة المثقفة السودانية التي لم تتعد 1% من السودانيين عن التفاعل مع الشعب من خلال إفساح المجال للزعماء التقليديين، وطبق البريطانيون سياسة اقترحها "جون مافي" الذي شبه الزعماء التقليديين والدينيين في السودان بالغدد الحامية للجسم؛ لذلك منحت السيد علي الميرغني لقب "سير"، أما الطبقة المثقفة من الحركة الوطنية فهي من وجهة نظره "جراثيم فتاكة".
وقامت سنة (1343هـ= 1924) ثورة بالسودان عرفت بثورة 1924، وكانت ضد الحكم البريطاني، وشملت أغلب البلاد، وشارك فيها بعض العسكريين السودانيين؛ وهو ما زاد من خطورتها، فاستدعى البريطانيون قوات إضافية لإخمادها وطائرات وبعض القطع البحرية.
وأمام عنف الحملة البريطانية ضد الثوار وأساليب القمع والإرهاب التي لجأ إليها الإنجليز اتجه السودانيون إلى العمل السري، ونمت الروح الوطنية داخل الطبقة المثقفة بتأثيرات مختلفة، منها عودة أول بعثة مدرسية سودانية أرسلت للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت عام (1347هـ = 1928م)، وتأثرهم بالدعوات التي أطلقها الأمريكيون عن حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وكان الجيش المصري قد انسحب من السودان للمرة الثانية في (جمادى الأولى 1343هـ= ديسمبر 1924م) بعد مقتل السير "لي ستاك" حاكم عام السودان أثناء وجوده في مصر؛ وهو ما أثار اضطرابات كبيرة في السودان.
وفي (ذي الحجة 1356هـ= فبراير 1938م) تشكل "مؤتمر الخريجين" الذي جمع عددًا من المثقفين والمتعلمين السودانيين، والذي بدأ بتقديم خدمات اجتماعية ثم تطرق إلى النواحي السياسية وطالب باستقلال السودان، وعملت بريطانيا بعد عودة الجيش المصري للسودان على تكريس مبدأ انفصال السودان عن مصر من ناحية، وشمال السودان عن جنوبه من ناحية أخرى.
وكرست "معاهدة 1936" التي عقدت بين مصر وبريطانيا، اتفاقية الحكم الثنائي 1899م، وهو أن يبقى حكم السودان مقتسمًا بين البلدين، وحاولت مصر إلغاء هذه المعاهدة وتحقيق الوحدة بين مصر والسودان، وجرت مفاوضات طويلة قطعتها الوزارة المصرية وعرضت القضية على مجلس الأمن الدولي في (3 ربيع الأول 1366هـ= 25 يناير 1947م) فامتنع المجلس عن اتخاذ قرار، فألغت الحكومة المصرية من جانبها معاهدة 1936 في (8 محرم 1371هـ= 8 أكتوبر 1951م).
11 تعليقات
هذه المدونة تسرد تاريخا محققا وحقيقيا
ردحذفهدا السودان المجيد
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أما بعد
ردحذفتحية طيبة للشعب السوداني العزيز المكرم وأيضاً تحية خاصة للأبطال السودانيين كامثال المهدي وغيره.
إنني كإنسان سوداني لديه الحق أن أتكلم الواقع المرير اتمنى من كل قلبي أن يتوحد وطننا من جديد.
نتمني حكما مدنيا
حذفالسلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أما بعد
ردحذفتحية طيبة للشعب السوداني العزيز المكرم وأيضاً تحية خاصة للأبطال السودانيين كامثال المهدي وغيره.
إنني كإنسان سوداني لديه الحق أن أتكلم الواقع المرير اتمنى من كل قلبي أن يتوحد وطننا من جديد.
السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أما بعد
ردحذفتحية طيبة للشعب السوداني العزيز المكرم وأيضاً تحية خاصة للأبطال السودانيين كامثال المهدي وغيره.
إنني كإنسان سوداني لديه الحق أن أتكلم الواقع المرير اتمنى من كل قلبي أن يتوحد وطننا من جديد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفجزاك الله خيراً
السلام عليكم ورحمة الله وتعال وبركات اللهم احفظ السودان من كل سوء
ردحذفالسلام عليكم
ردحذفعندما نهض مجموعة من البرلمانيون السودانيون وطالبوا بريطانيا بالخروج من السودان، كان هنالك ثلة من البرلمانيين رفضوا فكرة خروج المستعمر في ذلك الوقت حيث كانوا يرون أن المطالب بخروج المستعمر يجب أن تكون في السبعينات، وأبرزهم مرئياتهم كانت أن بريطانيا أسست خزان سنار ومشروع الجزيرة، وكلية غردون وكوبري النيل الأبيض، فلماذا لا نتركها حتى تكمل تأسيس بنى تحتية تساعدنا مستقبلاً.
ارجو من جميع الأخوة المهتمين بالتاريخ أن يساعدوني في معرفة أسماء البرلمانيين الخمسة الذين كانوا رافضين فكرة خروج بريطانيا من السودان في حقبة الخمسينات.
ولكم اجزل الشكر
الصادق بشير حسن
الإستعمار الإنجليزي لم يكن وحشياً كــ إستعمار فرنسا للجزائر و مع ذلك عمد السودانيون لإخراج الإنجليز من أرضهم بسبب الروح الوطنية التي بثتها الحركات القومية الناشطة و التي رسخت في أذهان السودانيين مبدأ "الوطن لأبنائه" ..
ردحذفحقيقة لكن في الحقيقة هوة استعمار مصر هيا مجرد ادة في يد بريطانيا
حذف