بوادر الحركة الوطنية
أدت سياسات الحماية الفرنسية في تجنيس اليهود في تونس إلى تأسيس حزب
تونس الفتاة سنة (1325 هـ = 1908م)، وبرزت شخصية عبد العزيز الثعالبي على الساحة
السياسية الوطنية، غير أن الفرنسيين حلوا هذا الحزب سنة (1329 هـ = 1911م)، وألقوا
القبض على قادته. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى
أطلقت بعض الحريات بعدما وقف ثمانون ألف مقاتل تونسي بجانب فرنسا في حربها، وانطلق
وفد تونسي برئاسة الثعالبي إلى باريس لعرض قضية بلاده على مؤتمر الصلح، إلا أن
الحلفاء المنتصرين لم يستمعوا إلى آمال الشعوب المستعمرة، فاتجه الثعالبي إلى
الرأي العام العالمي، وأصدر كتاب "تونس الشهيدة"، منددًا فيه بالاستعمار
الفرنسي، وقرأ التونسيون هذا الكتاب، والتقوا جميعًا على فكرة المطالبة بالدستور،
وتقدموا بطلبهم إلى الباي الذي وعدهم بإجابة مطالبهم، وإزاء هذا الوعد تكون الحزب
الحر الدستوري.
كانت
تونس مسرحًا للعمليات الحربية بين المحور والحلفاء لمدة سبعة أشهر، وعاشت فترة في
ظلال السيطرة الألمانية، وتولى الباي محمد المنصف الحكم في تونس في منتصف 1361 هـ
= 1942م، وتلقى الباي عرضا من الألمان بالتعاون معهم نظير إسقاط الحماية، وعرض
عليه الحلفاء الانضمام إليهم، إلا أن الباي رأى الاستفادة من تلك المساومات
المؤقتة لتقوية مركزه؛ فاختار حكومة وطنية دون استشارة المقيم الفرنسي، وأشرك
الحزبين الدستوري والجديد فيها، فعزل الفرنسيون الباي بعد القبض عليه، ثم أُلقي
القبض على بورقيبة، إلا أنه استطاع الفرار من معتقله والسفر إلى القاهرة على أمل
أن تعاونه الدول العربية في تحرير بلاده.
وانضم
بورقيبة في القاهرة إلى لجنة "المغرب العربي"، التي يرأسها المجاهد
الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي، وأحدث ذلك تحولا هاما في اتجاه الحزب الدستوري
الجديد نحو التضامن العربي. أما في تونس فتولى قيادة الحزب نيابة عن بورقيبة
"صالح بن يوسف" الذي عقد مؤتمرا سنة 1366 هـ = 1946م أصدر ميثاقًا
وطنيًا أعلن فيه سقوط نظام الحماية، وأكد صفة تونس العربية؛ فهاجمت فرنسا المؤتمر،
وقبضت على زعمائه، ونكلت بالوطنيين.
أما
الفترة التي قضاها "بورقيبة" في القاهرة، فقد كانت الجامعة العربية
والعرب مشغولين بقضية فلسطين، ولم يجد اهتماما بقضية تونس، فاتجه إلى فرنسا، وأجرى
محادثات غير رسمية مع الفرنسيين، وأظهر استعدادًا لعقد معاهدة مع فرنسا تضمن لها
امتيازات إستراتيجية واقتصادية في تونس، إلا أن باريس رفضت مفاوضته على أساس عدم
اعترافها بشرعية الحزب الدستوري الجديد.
الحزب الحر الدستوري
نشأ الحزب الحر الدستوري مطالبًا بمنح تونس نظامًا دستوريًا، وعارض
الثعالبي خطة الحزب وهدفه؛ لأنه كان يتمسك بفكرة الاستقلال التام، إلا أنه اعتبر
هدف الحزب خطوة أولى نحو هذا الاستقلال، وعلى هذا الأساس تعاون معهم، بل ترأس هذا
الحزب مدة من الزمن، وكانت عواطفه نحو الاستقلال التام سببًا دائمًا في المشكلات
بينه وبين بعض أعضاء الحزب من الشباب، الذين تربوا في المدارس الفرنسية، ويرون
البدء بالإصلاحات الداخلية، ومنها إنشاء مجلس تشريعي يشترك فيه الأوروبيون
والتونسيون، وقيام حكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي؛ فاضطر الثعالبي إلى العمل
بصفته الشخصية، وسافر إلى باريس غير أنه اعتُقل بتهمة التآمر على سلامة الدولة
الفرنسية، ثم أُفرج عنه.
وقد أظهر الباي محمد الناصر تعاطفه مع الحزب، وخشيت فرنسا من التقارب
بين الناصر والثعالبي، خاصة بعد المظاهرات التي خرجت يوم وصول رئيس الجمهورية
الفرنسية "ألكسندر ميلران" إلى تونس الذي صرح بأن "تونس" ستظل
مرتبطة بفرنسا إلى الأبد؛ فشَنَّ الدستوريون والباي حملة عنيفة على هذا التصريح،
وهدد الباي بالتنازل عن العرش إذا رفضت طلباته الإصلاحية، فعمَّت المظاهرات
العاصمة، إلا أن موت الباي المفاجئ والمُريب جعل أزمة العرش مع فرنسا تمر دون شيء؛
إذ تولى الحكم أحد البايات الموالين لفرنسا، وهو محمد حبيب سنة (1340 هـ = 1922م).
*
المقاومة.. والصور
وبرزت
"كتلة العمل الوطني" التي تعد أول تنظيم سياسي مغربي، وأصدرت جريدة
ومجلة إحداهما في المغرب باسم "الشعب"، والأخرى في باريس باسم
"المغرب" فكان لهما أثر كبير في إيقاظ الروح الوطنية، وبدأت قضية
القومية العربية والانتماء الإسلامي تطفو بقوة في المجتمع المغربي، فألقيت محاضرات
عن بلاء البربر وخدمتهم للإسلام. واهتمت الحركة بنشر التعليم لحماية الثقافة
والوعي، ودخل الشعب في موجات من التظاهر والإضرابات.
لكن
المهم في ذلك أن الحركة الوطنية لجأت إلى أساليب جديدة في مقاومة الاستعمار، منها
مخاطبة الرأي العام بالأسلوب الذي يفهمه؛ مما وفر له التضامن الشعبي، كما أشركت
الشعب في النضال الوطني من خلال اللجوء إلى مقاطعة البضائع الفرنسية بناء على
نصيحة من الأمير
"شكيب أرسلان" الذي قال: "إن المقاطعة هي السلاح
الذي يخشاه الأوربيون؛ فهم الذين يضعون النقود فوق الله"، فبدأت حركة مقاطعة
واسعة للبضائع الفرنسية شاركت فيها ربات البيوت، وامتنع الناس عن تدخين السجائر،
واستخدام السكر الفرنسي، ورفضوا لبس المنسوجات الفرنسية، كما نصحهم بتصعيد قضيتهم
على المستوى الدولي.
ولجأت
الحركة الوطنية إلى الأدب، ونسجت أشعارا عربية وبربرية ترفض التفريق بين مكوني
الأمة، ومنها:
صوت
ينادي المغربي ** من مازغٍ ويعربِ
يحدو
الشباب المغربي ** للموت دون الوطنِ
لا نرتضي
بالتفرقةْ ** ولو علونا المشنقةْ
ولو غدت
ممزقةْ ** أشلاؤنا فدى للوطن
وعلى
مستوى العالم الإسلامي أظهر المسلمون تضامنا مع مسلمي المغرب ضد "الظهير
البربري"، واعتبروا هذا المرسوم "سياسة صليبية"، فشارك "الأزهر"
في حملة الاعتراض، وكونت "جمعية الهداية الإسلامية" لجنة مهمتها الحفاظ
على إسلام البربر، وقامت جمعية "الشبان المسلمين" بدور في إثارة
الاهتمام بالقضية، وزار الأمير "شكيب" المغرب، لكن الفرنسيين أخرجوه من
طنجة.
الشعب الجزائري شعب حر، ومصمم على البقاء حرا.
فتاريخه الطويل سلسلة متصلة الحلقات من الكفاح والجهاد، جعلت الجزائر دائما منبت الحرية ، وأرض العزة والكرامة.
لقد عرفت الجزائر في أعز اللحظات الحاسمة التي عاشها البحر الأبيض المتوسط، كيف تجد في أبنائها، منذ العهد النوميدي، والفتح الإسلامي، حتى الحروب التحريرية من الاستعمار، روادا للحرية، والوحدة والرقي ، وبناة دول ديمقراطية مزدهرة، طوال فترات المجد والسلام.
وكان أول نوفمبر 1954 نقطة تحول فاصلة في تقرير مصيرها وتتويجا عظيما لمقاومة ضروس، واجهت بها مختلف الاعتداءات على ثقافتها ، وقيمها، والمكونات الأساسية لهويتها، وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية. وتمتد جذور نضالها اليوم في شتى الميادين في ماضي أمتها المجيد.
لقد تجمع الشعب الجزائري في ظل الحركة الوطنية، ثم انضوى تحت لواء جبهة التحرير الوطني ، وقدم تضحيات جساما من أجل أن يتكفل بمصيره الجماعي في كنف الحرية والهوية الثقافية الوطنية المستعادتين، ويشيد مؤسساته الدستورية الشعبية الأصيلة.
وقد توجت جبهة التحرير الوطني ما بذله خيرة أبناء الجزائر من تضحيات في الحرب التحريرية الشعبية بالاستقلال، وشيدت دولة عصرية كاملة السيادة.
إن إيمان الشعب بالاختيارات الجماعية مكّنه من تحقيق انتصارات كبرى، طبعتها استعادة الثروات الوطنية بطابعها، وجعلتها دولة في خدمة الشعب وحده، تمارس سلطاتها بكل استقلالية، بعيدة عن أي ضغط خارجي.
إن الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان الحرية لكل فرد.
فالدستور يجسم عبقرية الشعب الخاصة، ومرآته الصافية التي تعكس تطلعاته، وثمرة إصراره، ونتاج التحولات الاجتماعية العميقة التي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكد بكل عزم وتقدير أكثر من أي وقت مضى سمو القانون.
إن الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، ويكفل الحماية القانونية، ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية، ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده.
فالشعب المتحصن بقيمه الروحية الراسخة، والمحافظ على تقاليده في التضامن والعدل، واثق في قدرته على
المساهمة الفعالة في التقدم الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي ، في عالم اليوم والغد.
إن الجزائر، أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربية، وبلاد متوسطية وإفريقية تعتز بإشعاع ثورتها، ثورة أول نوفمبر، ويشرفها الاحترام الذي أحرزته، وعرفت كيف تحافظ عليه بالتزامها إزاء كل القضايا العادلة في العالم.
وفخر الشعب، وتضحياته، وإحساسه بالمسؤوليات، وتمسكه العريق بالحرية، والعدالة الاجتماعية، تمثل كلها أحسن ضمان لاحترام مبادئ هذا الدستور الذي يصادق عليه وينقله إلى الأجيال القادمة ورثة رواد الحرية وبناة المجتمع الحر.
فتاريخه الطويل سلسلة متصلة الحلقات من الكفاح والجهاد، جعلت الجزائر دائما منبت الحرية ، وأرض العزة والكرامة.
لقد عرفت الجزائر في أعز اللحظات الحاسمة التي عاشها البحر الأبيض المتوسط، كيف تجد في أبنائها، منذ العهد النوميدي، والفتح الإسلامي، حتى الحروب التحريرية من الاستعمار، روادا للحرية، والوحدة والرقي ، وبناة دول ديمقراطية مزدهرة، طوال فترات المجد والسلام.
وكان أول نوفمبر 1954 نقطة تحول فاصلة في تقرير مصيرها وتتويجا عظيما لمقاومة ضروس، واجهت بها مختلف الاعتداءات على ثقافتها ، وقيمها، والمكونات الأساسية لهويتها، وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية. وتمتد جذور نضالها اليوم في شتى الميادين في ماضي أمتها المجيد.
لقد تجمع الشعب الجزائري في ظل الحركة الوطنية، ثم انضوى تحت لواء جبهة التحرير الوطني ، وقدم تضحيات جساما من أجل أن يتكفل بمصيره الجماعي في كنف الحرية والهوية الثقافية الوطنية المستعادتين، ويشيد مؤسساته الدستورية الشعبية الأصيلة.
وقد توجت جبهة التحرير الوطني ما بذله خيرة أبناء الجزائر من تضحيات في الحرب التحريرية الشعبية بالاستقلال، وشيدت دولة عصرية كاملة السيادة.
إن إيمان الشعب بالاختيارات الجماعية مكّنه من تحقيق انتصارات كبرى، طبعتها استعادة الثروات الوطنية بطابعها، وجعلتها دولة في خدمة الشعب وحده، تمارس سلطاتها بكل استقلالية، بعيدة عن أي ضغط خارجي.
إن الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان الحرية لكل فرد.
فالدستور يجسم عبقرية الشعب الخاصة، ومرآته الصافية التي تعكس تطلعاته، وثمرة إصراره، ونتاج التحولات الاجتماعية العميقة التي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكد بكل عزم وتقدير أكثر من أي وقت مضى سمو القانون.
إن الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويحمي مبدأ حرية اختيار الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، ويكفل الحماية القانونية، ورقابة عمل السلطات العمومية في مجتمع تسوده الشرعية، ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده.
فالشعب المتحصن بقيمه الروحية الراسخة، والمحافظ على تقاليده في التضامن والعدل، واثق في قدرته على
المساهمة الفعالة في التقدم الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي ، في عالم اليوم والغد.
إن الجزائر، أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربية، وبلاد متوسطية وإفريقية تعتز بإشعاع ثورتها، ثورة أول نوفمبر، ويشرفها الاحترام الذي أحرزته، وعرفت كيف تحافظ عليه بالتزامها إزاء كل القضايا العادلة في العالم.
وفخر الشعب، وتضحياته، وإحساسه بالمسؤوليات، وتمسكه العريق بالحرية، والعدالة الاجتماعية، تمثل كلها أحسن ضمان لاحترام مبادئ هذا الدستور الذي يصادق عليه وينقله إلى الأجيال القادمة ورثة رواد الحرية وبناة المجتمع الحر.
0 تعليقات