معركة القسطنطينية (857 هـ / 1453 م)

معركة القسطنطينية (857 هـ / 1453 م)

من أشهر المعارك في التاريخ بأحداثها ونتائجها، وقد استخدمت فيها أحدث الأسلحة والمهارة القتالية، والمكر والدهاء الحربي، والقيادة الحكيمة. كما لعبت الجاسوسية دورا بارزا فيها. وأما أحداثها فتبدأ بأن السلطان العثماني محمد الثاني بعد أن استكمل استعداداته توجه بجيشه الذي ينوف عن ثمانين ألف مقاتل ونحو 120 سفينة حربية، توجه لحصار القسطنطينية في 26 ربيع الأول 857 هـ و 5 نيسان 1453 م من جهة البر الأوربي، وكان للمدينة من هذه الجهة سوران، وأمامها خندق، وللسور الخارجي أبواب عديدة. وكان السلطان على رأس القلب من الجيش، وحدد قواد الميمنة والميسرة. واحتشد الأسطول العثماني في مياه البوسفور بقيادة أمير البحر (بلطة أوغلي) وأحدقت سفن حربية بالأسوار المطلة على بحر مرمرة لمنع وصول أي مساعدات أوربية للعاصمة. ونصب أمام السور البري المدافع والمجانيق. وبدأت المعارك بضرب الأسوار بالمدافع ليلاً ونهاراً. وكانت المدافع ضخمة استخدم السلطان لسكبها مهندساً هنغارياً، فأثار أثرها رعب أهل المدينة، بينما اكتفى المحاصرون بإلقاء بعض قذائفهم النارية والحجرية على محاصريهم من آن لآخر ضنا بذخيرتهم المحدودة ودفعاً لمهاجميهم وبانتظار وصول النجدات.

واتخذ الإمبراطور قسطنطين مقره وراء الأسوار الغربية مواجه قيادة الجيش العثماني ومعه القائد الجنوي (جوستنياني) الذي يعتمد عليه ويثق به لخبرته وشجاعته. وبعد أسبوعين من الرمي المتواصل، استطاع العثمانيون هدم جزء من السور الأوسط الخارجي، فاندفع منه الجند الإنكشارية بجرأة وتسلقوا السور بسلام. واشتد القتال هناك بين الطرفين، وبقي القتال مستمراً حتى الليل تحت ضوء القمر. ثم أمر الفاتح جنوده بالانسحاب بعد مصرع مئتي جندي إنكشاري. وفي اليوم الثاني 20 نيسان ظهرت في بحر مرمرة 5 سفن أجنبية تحمل الرجال والعتاد والقوت ومزودة بمدفعية جيدة، ففشلت محاولات الأسطول العثماني في منع السفن من الوصول إلى ميناء القرن الذهبي رغم الخسائر بالأرواح مما حز في نفس السلطان الذي يراقب المعركة البحرية عن قرب على السواحل. ونزل بنفسه إلى الشاطئ. بينما توالت الأفراح داخل المدينة بوصول النجدات ودُقت أجراس الكنائس.

عزل السلطان قائد البحر وعين مكانه حمزة باشا وعقد مجلساً للشورى فأصروا على متابعة الحصار والفتح عدا الصدر الأعظم الذي أوصى برفع الحصار، فأقر السلطان رأي المجلس. وعندها لجأ السلطان للحيلة بعملية جريئة تاريخية وهي نقل السفن براً إلى داخل القرن الذهبي وتجاوز السلسلة الحديدية الضخمة عند المدخل.

وفي ليلة واحدة تم جر 70 سفينة خفيفة بعد تمهيد الأرض ومد ألواح خشبية مدهونة بالزيوت والشحوم. وكانت براعة القائد في إبعاد انتباه الجواسيس والجنويين عما يجري، وذلك بمتابعة رمي المدفعية من فوق مدينة غلطة، وتساقط القذائف في القرن الذهبي، وإغراق إحدى السفن الأجنبية هناك. فأسرعت السفن إلى أسوار مدينة غلطة للاحتماء بها وحاولت بعض السفن التركية من الأسطول اختراق السلسلة وتحطيمها فانشغل المراقبون بذلك. وفوجئ أهل وحاكم القسطنطينية في اليوم الثاني 22 نيسان بالسفن التركية في القرن الذهبي، وأمر السلطان بنصب جسر عائم نصبت فوقه المدافع. لذلك قرر الإمبراطور القيام بهجوم ليلي لتحطيم السفن التركية المنقولة. واستعد لذلك، ولكن الخبر تسرب للسلطان عن طريق التجار الجنويين في غلطة طمعاً بالمكافآت المالية. وكانت المحاولة البيزنطية بقيادة الجنوي (جاكوموكوكو)، وعندما تحركت الحملة ليلاً،ا نُصبت عليها القذائف وشطرت سفينة القيادة نصفين وتحطمت بعض السفن، وأسر بعض البحارة فذبحهم العثمانيون صبيحة اليوم الثاني. فانتقم البيزنطيون بقتل 200 من الأسرى المسلمين لديهم وألقوا برؤوسهم من فوق الأسوار. وفي محاولة ثانية في 4 أيار لتشكيل حملة ليلية وحرق السفن التركية، تسرب النبأ بالطريقة نفسها للسلطان، وكان نصيب الحملة الفشل، ومقتل خيرة البحارة. ثم بدأ العثمانيون بمهاجمة الأسوار لاستنزاف طاقة المقاتلين، ورغم الخسائر الفادحة بالعثمانيين. فإن صبر المحاصرين بدأ ينفد. ولما حاول السلطان حفر أنفاق لداخل المدينة، أحبط البيزنطيون هذه المحاولة، بحفر أنفاق معاكسة، وصب النار في الأنفاق على المتسللين. ولكن فكرة الأنفاق نشرت الرعب بالمدينة خوف ظهور الأتراك في كل مكان في أي لحظة. وفي العشرين من أيار، لجأ السلطان لمكيدة جديدة أذهلت الروم وهي بناء قلعة شاهقة من الخشب ومتحركة تعلو على الأسوار وفيها مختلف أنواع الأسلحة والمقاتلين. واقتربت من أسوار المدينة، ولكن بذل الروم جهوداً كبيرة حتى أحرقوها بآخر النهار بعد أن تهدمت بعض الأبراج. وبذل المدافعون جهودا كبيرة لإصلاحها ليلاً. وبعد سبعة أسابيع من الحصار استطاع العثمانيون دخول المدينة بهجوم شنوه يوم 29 أيار. وجرى القتال العنيف في الشوارع، وصرع الإمبراطور في هذا القتال، وعندما انتصف النهار دخل السلطان محمد الثاني المدينة، وأمر جيوشه بوقف المجزرة، ومنح جنوي غلطة شروطاً للصلح ملائمة لأنهم التزموا الحياد أثناء القتال، فضمن لهم حرية العيش والتملك وحرية التجارة مقابل أداء الضرائب القانونية.



وبفتح القسطنطينية انتهت العصور الوسطى وانتهت الدولة البيزنطية وهرب علماؤها ومثقفوها بكتبهم ومخطوطاتهم إلى الغرب .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأرشيف مفهومه تاريخه أصنافه و إدارته

الاحتلال البريطاني للسودان

Art nouveau الفن الحديث